بسم الله الرحمن الرحيم
لا تحـرج أحـداً
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه،، أما بعد:
فإن التحلي بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات سمة المؤمن المتقي لربه الراجي ثواب الله ورحمته، وإن التنصل من الأخلاق والعيش بلا سلوك سوي خلاب سمة الحيوان البهيم الذي لا يهمه إلا ملأ بطنه وإشباع غرائزه..
إن الله تبارك وتعالى وصف نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- بأنه في قمة الخلق وأن خلقه عظيماً وكفى بالله وصفاً وثناء فهو العليم بمن خلق وهو علام الغيوب.
وإن الناظر في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليجد هذا الثناء والوصف منطبقاً على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته كلها قبل الرسالة وبعدها، فقد كان الحليم الكريم الرؤوف الرحيم الذي يعفو عمن ظلمه، ويحسن إلى من أساء إليه، ولا يكلف أحداً فوق طاقته، ولا يحرج أحداً، ولا يطلب منه شيئاً لا يرغب به..
وله -صلى الله عليه وسلم- في عدم إحراج الناس مواقف كثيرة منها: ما شرعه من الاستئذان على الناس في بيوتهم وأماكنهم الخاصة المملوكة، فإن في الدخول عليهم من غير علمهم وإذنهم حرجاً شديداً واطلاعاً على ما لا يحب الاطلاع عليه. وهكذا في جوانب كثيرة من الحياة.
وأنت يا أخي الكريم: يجب علي وعليك وعلى كل المسلمين أن نتأدب بأدب الإسلام، وأن نبتغي بذلك وجه الله تعالى فإنه الدافع لكل خلق كريم. ومن ذلك عدم إحراج الناس سواء في بيوتهم أو حاجياتهم، وقد يقع بعض الناس في إحراج الآخرين من خلال أمور عديدة:
الدخول في بيوتهم بغير إذن، أو الدخول على الشخص في وقت لا يرغب أن يدخل فيه أحد، أو أن يكون بعض من دمه ثقيل وطبعه بطئ لا يركز على قضية التأخر في البيت إذا ضيفه شخص أو دعاه، فيطول الجلسة واللقاء وصاحب البيت قد يكون مشغولاً، فيحرج وربما ضيع بعض الأعمال المهمة لأجله.. إن أمثال هؤلاء الثقلاء أو من أطلق عليهم ابن الجوزي البطالين! ليحرقون الصدور ويجعلون الإنسان في قلق وهم لا يشعرون به نتيجة لما تعودوا عليه من ثقل الطبع وتبلد النفس، فما أحسن الإنسان الخفيف إذا حل أو رحل! وما أجمل الشخص الذي يقدر ظروف الناس وأشغالهم!.. وكم نعاني من الثقلاء الذين ليس لهم وقت يقضون فيه الأعمال فيرتكبوا خطأ آخر بإحراج الناس الآخرين في تضييع أوقاتهم.
يقول ابن الجوزي عمن هذه صفاتهم: "أعوذ بالله من صحبة البطالين لقد رأيت خلقاً كثيراً يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة ويسمون ذلك التردد خدمة ويطلبون الجلوس ويجرون فيه أحاديث الناس وما لا يعني وما يتخلله غيبة.
وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس وربما طلبه المزور وتشوق إليه واستوحش من الوحدة وخصوصاً في أيام التهاني والأعياد فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض ولا يقتصرون على الهناء والسلام بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان.
فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء والواجب انتهاؤه بفعل الخير كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين:
إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلب قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالاً تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم؛ لئلا يمضي الزمان فارغاً، فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد وبري القلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم كي لا يضيع شيء من وقتي".1
ومن الإحراج الذي يقع بين الناس: أخذ الأموال بطريقة السلف والدين والتأخر في إرجاعها أو عدم تأديتها.. وهذه صفة ذميمة في المسلم يجب الابتعاد عنها؛ لما فيها من إحراج الناس خاصة ممن يستحي من طلب حقه كون السائل والمستدين من المعروفين..!
ومن ذلك: التطفل على أملاك الناس.. فبعض الشباب يأخذ جوال صاحبه وفيه أشياء خاصة أو لا يريد من أحد أخذه، فيأتي إلى صاحب له أو شيخ أو داعية فيقول اعطني تلفونك -مثلاً- أراه! فيحرج الشخص ويعطيه..! فأمثال هؤلاء يجب أن يتأدبوا ويستغنوا بحقهم عن حق الناس والتطفل عليه.. أو كأن يقول: ما رأيك يا شيخ أو يا فلان -من الناس المعروفين بالحياء أو نحو ذلك- اعطني سيارتك أعمل بها دورة أو جولة وأرجع!! فيعطيه ذلك الشخص لا للطلب ولكن للإحراج الذي هو سمة له وصفة ثقيلة من صفات ثقال الطبع..
وهكذا في كثير من الأحوال والمواقف..
فينبغي على الإنسان أن يعلم أن الناس لا تستوي من حيث الصراحة والتحمل، والمشكلة في الكثير منا أنه يقيس نفسه على الآخرين، فيقول: يا أخي هذا من باب الكرم أو من باب التعاون أو من باب الأخوة...! وهي في الحقيقة تسول بطريقة ملتوية، وتطفل بطريقة مبررة..
نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال، إنه سميع مجيب.
1 صيد الخاطر، ص 2
لا تحـرج أحـداً
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه،، أما بعد:
فإن التحلي بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات سمة المؤمن المتقي لربه الراجي ثواب الله ورحمته، وإن التنصل من الأخلاق والعيش بلا سلوك سوي خلاب سمة الحيوان البهيم الذي لا يهمه إلا ملأ بطنه وإشباع غرائزه..
إن الله تبارك وتعالى وصف نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- بأنه في قمة الخلق وأن خلقه عظيماً وكفى بالله وصفاً وثناء فهو العليم بمن خلق وهو علام الغيوب.
وإن الناظر في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليجد هذا الثناء والوصف منطبقاً على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته كلها قبل الرسالة وبعدها، فقد كان الحليم الكريم الرؤوف الرحيم الذي يعفو عمن ظلمه، ويحسن إلى من أساء إليه، ولا يكلف أحداً فوق طاقته، ولا يحرج أحداً، ولا يطلب منه شيئاً لا يرغب به..
وله -صلى الله عليه وسلم- في عدم إحراج الناس مواقف كثيرة منها: ما شرعه من الاستئذان على الناس في بيوتهم وأماكنهم الخاصة المملوكة، فإن في الدخول عليهم من غير علمهم وإذنهم حرجاً شديداً واطلاعاً على ما لا يحب الاطلاع عليه. وهكذا في جوانب كثيرة من الحياة.
وأنت يا أخي الكريم: يجب علي وعليك وعلى كل المسلمين أن نتأدب بأدب الإسلام، وأن نبتغي بذلك وجه الله تعالى فإنه الدافع لكل خلق كريم. ومن ذلك عدم إحراج الناس سواء في بيوتهم أو حاجياتهم، وقد يقع بعض الناس في إحراج الآخرين من خلال أمور عديدة:
الدخول في بيوتهم بغير إذن، أو الدخول على الشخص في وقت لا يرغب أن يدخل فيه أحد، أو أن يكون بعض من دمه ثقيل وطبعه بطئ لا يركز على قضية التأخر في البيت إذا ضيفه شخص أو دعاه، فيطول الجلسة واللقاء وصاحب البيت قد يكون مشغولاً، فيحرج وربما ضيع بعض الأعمال المهمة لأجله.. إن أمثال هؤلاء الثقلاء أو من أطلق عليهم ابن الجوزي البطالين! ليحرقون الصدور ويجعلون الإنسان في قلق وهم لا يشعرون به نتيجة لما تعودوا عليه من ثقل الطبع وتبلد النفس، فما أحسن الإنسان الخفيف إذا حل أو رحل! وما أجمل الشخص الذي يقدر ظروف الناس وأشغالهم!.. وكم نعاني من الثقلاء الذين ليس لهم وقت يقضون فيه الأعمال فيرتكبوا خطأ آخر بإحراج الناس الآخرين في تضييع أوقاتهم.
يقول ابن الجوزي عمن هذه صفاتهم: "أعوذ بالله من صحبة البطالين لقد رأيت خلقاً كثيراً يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة ويسمون ذلك التردد خدمة ويطلبون الجلوس ويجرون فيه أحاديث الناس وما لا يعني وما يتخلله غيبة.
وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس وربما طلبه المزور وتشوق إليه واستوحش من الوحدة وخصوصاً في أيام التهاني والأعياد فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض ولا يقتصرون على الهناء والسلام بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان.
فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء والواجب انتهاؤه بفعل الخير كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين:
إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلب قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالاً تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم؛ لئلا يمضي الزمان فارغاً، فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد وبري القلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم كي لا يضيع شيء من وقتي".1
ومن الإحراج الذي يقع بين الناس: أخذ الأموال بطريقة السلف والدين والتأخر في إرجاعها أو عدم تأديتها.. وهذه صفة ذميمة في المسلم يجب الابتعاد عنها؛ لما فيها من إحراج الناس خاصة ممن يستحي من طلب حقه كون السائل والمستدين من المعروفين..!
ومن ذلك: التطفل على أملاك الناس.. فبعض الشباب يأخذ جوال صاحبه وفيه أشياء خاصة أو لا يريد من أحد أخذه، فيأتي إلى صاحب له أو شيخ أو داعية فيقول اعطني تلفونك -مثلاً- أراه! فيحرج الشخص ويعطيه..! فأمثال هؤلاء يجب أن يتأدبوا ويستغنوا بحقهم عن حق الناس والتطفل عليه.. أو كأن يقول: ما رأيك يا شيخ أو يا فلان -من الناس المعروفين بالحياء أو نحو ذلك- اعطني سيارتك أعمل بها دورة أو جولة وأرجع!! فيعطيه ذلك الشخص لا للطلب ولكن للإحراج الذي هو سمة له وصفة ثقيلة من صفات ثقال الطبع..
وهكذا في كثير من الأحوال والمواقف..
فينبغي على الإنسان أن يعلم أن الناس لا تستوي من حيث الصراحة والتحمل، والمشكلة في الكثير منا أنه يقيس نفسه على الآخرين، فيقول: يا أخي هذا من باب الكرم أو من باب التعاون أو من باب الأخوة...! وهي في الحقيقة تسول بطريقة ملتوية، وتطفل بطريقة مبررة..
نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال، إنه سميع مجيب.
1 صيد الخاطر، ص 2