الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعــد ؛
فقد رصدت لنا السنة المطهرة ظاهرة غريبة وعجيبة وهذه الظاهرة هى :
( الصــــــــائمون المفلســــون ) أو ( صــــائمون فى النــــــــار )
أخرج الإمام مسلم فى صحيحه بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم { أتدرون من المفلس قالو المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال إن المفلس من
أمتى من يأتى يوم القيامة بصيام وصلاة وزكاه ويأتى وقد ضرب هذا وشتم هذا وقذف هذا وأكل
مال هذا وسفك دم هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح فى النار }
*الإفلاس الخلقى هو الإفلاس المعترف به فى دين الإسلام أما من لادرهم له ولا متاع فالدنيا
عارية مستردة والفقر والغنى يختلفان على الناس عطاءا وسلبا.
*الإفلاس الخلقى هو الذى يؤدى إلى الإفلاس الأخروى بذهاب الحسنات وجلب السيئات والطرح
فى جهنم فكم من صائم كما ترى لا يجد له حسنة يزود بها عن وجهه من النار
( صــــــــــائمون فى النار )
*أخرج البخارى فى صحيحه أنهم قالو يارسول الله فلانة تصوم النهار وتقوم الليل فهى صوامة
قوامة ولكنها تؤذى جيرانها بلسانها فقال صلى الله عليه وسلم هى فى النار وقالو وفلانة تصلى
خمسها وتصوم فرضها ولكنها لا تؤذى أحدا بلسانها فقال لهم صلى الله عليه وسلم هى من أهل الجنة .
( عااااااااابدون فى النـــــــــار * صاااائمون فى النــــــــار )
*في الحديث: قال النبي : { لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً }، قيل: يا رسول الله صفهم لنا، جلّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: { أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها }. رواه :
ابن ماجه (4/246) عن ثوبان
قد يبتعد الإنسان عن المعاصي والذنوب إذا كان يحضره الناس، وعلى مشهد منهم، لكنه إذا خلا بنفسه، وغاب عن أعين الناس، أطلق لنفسه العنان، فاقترف السيئات، وارتكب المنكرات، وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً [الإسراء:17] وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74].
بل إن الإنسان ليقع في ذنب، ولو كان بحضرته طفل لامتنع من الوقوع فيه، فصار حياؤه من هذا الطفل أشد من حيائه من الله جل وعلا، أتراه – في هذه الحالة – مستحضراً قول الله تعالى: أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [البقرة:77] { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [التوبة: 78].
ويحك يا هذا، إن كانت جراءتك على معصية الله لاعتقاد أن الله لا يراك، فما أعظم كفرك، وإن كان علمك باطلاعه عليك، فما أشد وقاحتك، وأقل حياءك!! يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً [النساء:108].
من أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم تعصيه، وتعلم قدر غضبه ثم تتعرض له، وتعرف شدة عقابه ثم لا تطلب السلامة منه، وتذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تهرب منها ولا تطلب الأنس بطاعته.
قال قتادة: ( ابن آدم، والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك، فراقبهم، واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل، ولا قوة إلا بالله ).
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت:23،22].
قالوا: ( أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد ).
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16].
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً *** ولا أن ما نخفيه عنه يغيبُ
أخـــى ضع هذا الكلام فى فؤادك واجعله نصب عينيك واجعله جزءا من عقلك وكلما همـمت بمعصية
أو وجدت من نفســك روغانا وتلونا وحبا للمعصيــــة فتذكر كلماتى هذه وقل لنفسك
( عابدون فى النار ) وقل لنفسك إنهم قوم ( إذا خلــــو بمحارم الله انتهكــــــوها )
وإن كنت قد أسأت فيما مضى أحسن وأخلص فيما هو آت يغفر الله لك مامضى بإذن الله فأحسن
واجتهد فى أن تتغير وراقب أحوالك وانظر فيها لتتبدل وقل لها يانفس إلى متى هذا الطغيان ولا تنسى
أنهم ( عابدون وصائمون فى النار كلما خلو بمحارم الله انتهكوها )
ونعوذ بالله من الخذلان والله المستعان وعليه التكلان وصلى الله وسلم على نبينا محمـد وآله وصحبه وسلم
جمع وترتيب وتهذيب
الأخ محمد سلامه عفا الله عنه ووالديه والمسلمين